-->

قد تكون الإعلانات مزعجة في بعض الأحيان ، ولكنها هي الطريقة الوحيدة لتوفير جميع خدماتنا لك مجانًا ، نامل ان تأخذ هذا الإشعار في الاعتبار ، شكرًا لك

كيف أتعلم ثقافة الاعتذار


(آسف جدًا)، (أعتذر منك) كلمتان من عدة كلمات يمكن أن ُتقال، ولكن سحر تلك الكلمات لا ُيضاهيها أي سحر في الاعتذار عن الخطأ. الخطأ بالتأكيد هو سمةٌ من سمات البشر، وكل إنسان معرضُ للخطأ، وليس من العيبِ أن يخطئ الإنسان، ولكن العيب والخطأ الأكبر هو التمادي والاستمرار في ذلك الخطأ. الاعتذار بلا شك سلوك حضاري وفن ومهارة اجتماعية تزيد من الألفة والمحبة والتقارب بين جميع أفراد المجتمع، كما أن ديننا الإسلامي الحنيف من أكثر الأديان حثا على التوبة والاعتذار بجميع مفرداتها ومشتقاتها. ليس غريباً أن يُخطئ الإنسان في حق الآخرين، ولكن المشكلة تكمن في إصلاح ذلك الخطأ بالاعتذار؛ فنحن العرب نرى الاعتذار أنه خضوع وذل ومهانة، بل هو على العكس قوة وشجاعة ومراجعة للذات ونقدها. في بعض المجتمعات الغربية خاصة يملكون شجاعة الاعتراف بالخطأ والاعتذار أيضًا، فمثلاً اليابان اعتذرت للدول التي احتلتها في جنوب شرق آسيا، واعتذرت كذلك عن ممارساتها الوحشية تجاه أسرى الحرب البريطانيين آنذاك، وفرنسا اعتذرت عن ماضيها الإجرامي في الجزائر وتقدمت باعتذار رسمي لدولة الجزائر، والولايات المتحدة تقدمت باعتذار رسمي لقارة أفريقيا عن ممارستها لعدة قرون من الزمن لتجارة العبيد، هذا اعتذار بين الدول فكيف يكون الاعتذار بين الأفراد. نحن بحاجة كبيرة لنشر ثقافة الاعتذار في مجتمعنا، فحين نُربي أبناءنا ونُعودهم على كلمات ومفردات التواضع والاعتذار ومن ثم نعلمهم كيفية الاعتذار فهذا بلا شك يستوجب منا الإشادة بتصرف الطفل أمام الآخرين وتعزيز تلك الفضيلة فيه. وقبل ذلك يجب أن يغير الآباء والمعلمين والمسئولين من سلوكهم ويكتسبوا هذه الصفة كدليل على التحضر والرقي ويكونوا قدوة للأجيال الصاعدة. وكما يقولون دائمًا أن الاعتذار من شيم الكبار.. فمثلاً الأنبياء كانوا يعتذرون عن أي خطأ يرتكبوه؛ موسى عليه السلام بعد أن وكز الرجل بعصاه فقتله: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: 15]، ثم قدم الاعتذار: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم} [القصص: 16]. وآدم عليه السلام: اعترف بذنبه عندما أخطأ هو وزوجه وأكل من الشجرة المحرمة: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]. نحن في أشدِ الحاجة لغرس وتعميق هذه الثقافة في مجتمعنا وفي بيوتنا إذا أردنا النهوض والتقدم والتطور والرفعة لديننا ولوطننا ولمجتمعنا.

كثيرا ما نخطأ في حياتنا ، وهذا ليس عيبا فكل البشر معرضون للخطأ ،لكن العيب الأكبر هو الاستمرار والتمادي في الخطأ خاصة أن كان خطأ في حق أشخاص آخرين ، فلكل شيء في هذه الحياة كفارة وكفارة الخطأ مع الآخرين هو المبادرة بالاعتذار ، لكن للاسف هناك فجوة تحيل بين الكثير منا و الاعتذار ، فهنالك من يعتبر الاعتذار نقص يقلل من شأنه وهناك من يعتقد أن الاعتذار ما هو إلا خنخر قد يؤدي شخصيته وغيرها من الآراء ، لكن الاعتذار لا يقوى عليه إلا كثير الهمة والمقام وذو الخصال الحميدة الطيبة لما لها من فوائد ،فأحيانا مجرد كلمة "أسف" أو "اعتذر "وغيرها من الكلمات الدالة على الاعتذار تزرع الامل في النفوس وتعمل على تجديد العلاقة بين الناس.
ليس هناك من هو مثالي ومعصوم من الأخطاء في هذه الحياة فنحن لسنا ملائكة فكلنا نخطأ لكن يبقى الاختلاف بيننا فقط في الاعتذار والاعتراف بالخطأ، ليس ضعفا أن تعترف باخطاءك وتعتذر لمن ظلمتهم بل هذا ينمي شخصيك ويبنيها على أسس حميدة و يزرع الثقة في نفسك ، فلا يعتذر ويعترف بالاخطاء و التقصير الا الشخص الأمين صاحب الشخصية القوية والحكيمة التي تقدر الآخرين وتتجنب الاضرار بمشاعرهم .
إن ما يفتقده أفراد مجتمعنا في الوقت الراهن هو مواجهة الخلافات بالاعتذار ، هذه الخصلة التي تميز الفضلاء والاخيار عن غيرهم، ونحن في أمس الحاجة إلى غرس وترسيخ هذه ثقافة في نفوس أبنائنا منذ الصغر فكثيرا ما يتعلق الإنسان بالعادات التي يكتسبها من تربيته الاولى .
إن كلمة الاعتذار مفتاح فرج لكثير من المشاكل والعدوات ،فكم من بيوت خربت وكم من قضايا رفعت وكم من أرحام قطعت وكم من أطفال تشردوا ، وكان يكفي لتعود كل الامور لطبيعتها كلمة واحدة وبسيطة هي كلمة الاسف والإعتذار المصحوبة بالندم ، لكن التأخر في الاعتذار غلق القلوب بغلاف يزداد سمكا مع الوقت ، لذا على المخطىء أن يسارع في الاعتذار قبل أن يفوت الأوان .
لقد حان الوقت لكي نعيد النظر في أولوياتنا ونغرس ثقافة الاعتذار في أبناء المجتمع باعتبارهم أجيال المستقبل ، ولا بد أن نسعى إلى تواجد هذه الثقافة ضمن أهم أولوياتنا فهي تشبه وصفة سحرية قد تحل الكثير من المشاكل الاجتماعية ، وتعيد الإنسان إلى إنسانيته ، وعلى التربية والتعليم أن تلقي الضوء على هذه الخصلة النبيلة وتدخلها في المناهج والمقررات حتى تصبح من أخلاقيات مجتمعنا .
وعليك أيها القارئ أن تعتذر من كل من أخطأت في حقهم وتبادر في في ترسيخ تلك الخصلة الحميدة في نفسك وتذكر أن الاعتذار لن يجرح كرامتك بل سيجعلك كبيرا في عين من أخطأت في حقه ، و لاتنسى أن تلتمس الاعذار لمن أساء إليك لكي تنعم بحياة سعيدة وأنا أيضا أود أن أعتذر منكم ومن كل من أخطأت في حقهم وتسببت لهم صدى كلماتي في جرح و وجع وأعتذر أيضا من نفسي .

مراجع :
https://m.annabaa.org/arabic/ethics/3151

بواسطة ميريام مصطفى